
سلام أبو شالة
كم من السيدات السوريات اليومَ عانينَ في دول اللجوء كما في الوطن.. وما زِلن؟!.
ثمّة رابط مُشترك بينهن.. بدءاً من أستاذة الجامعة؛ إلى الخيّاطة التي تُظهر فنون الأناقة وخصوصيتها السورية؛ إلى الطبّاخة التي تُقدم ثقافةَ فنِّ الطبخ السوري إلى الآخرين؛ إلى الطبيبة والرسّامة التشكيلية؛ إلى المُهندسة؛ إلى العازفة والمُترجمة.. وحتى كطالباتٍ في جامعات التغريبة.
أغنّي.. إذاً أنا موجودة:
يمثّل الغناء والصوت الشجيّ في زمن الآلام والتدمير والترحيل القسريّ.. تحدياً صارخاً ضد الموت ومع الحياة؛ وللتذكير بهويتنا الثقافية:
“أنا معكم، فغنّوا لي أغنيات الأجداد وترنّموا بالأمل والآمال عبرها، ولتصدح “الموليّا” من جدران غرفكم المُدمرة؛ ومن بيوتكم التي سُوِيَت بالأرض؛ وبين حاراتكم التي اشتاقت إلى صوت خطواتكم.. أنتم صوت الشحرور الذي اغتيلَ وبقيت أحلامه.. كعلامات على سُلَّم الموسيقى الإنسانية.
هكذا أخال السيدة السورية “رجاء بَنُّوت” قد هجست بهذا كلّه، وهي الحمصيّة المولد، الدمشقية منذ 50 عاماً؛ ومؤسِسة “كورال حنين الثقافي” بفرعيه: “حنين عينتاب” و “حنين برلين” في بلاد اللجوء، إذ ترى في الغناء التراثي السوري: “استحضاراً لماضي الأجداد؛ ودواءً يشفي لواعِجَ الحنين إلى الوطن عند مئات الآلاف من السوريين المشتتين في بقاع الأرض، إضافة إلى تقديم رسالة حضارة إلى المجتمع المُضيف.. فنحن من دَوّن أول نوتة موسيقية على رقيم من الطين”.
رجاء بنُّوت في دمشق:
تتحدث السيدة بًنُّوت عن ذلك:
“أسّستُ جمعية “النهضة الفنية” عام 2006 مُستفيدة من ادعاءات الانفتاح الذي تبنّاها نظام بشار الأسد آنذاك، تلاها تأسيس كورالٍ للكبار شَمِلَ الرجال والنساء من 50 ـ 80 عاماً، فلاقى الكورال المُختلط نجاحاً كبيراً؛ وما زال قائماً حتى اليوم. أما الأجمل من النجاح أنه غيَّر من نظرة أعضائه إلى ذواتهم ومن نظرة المجتمع إليهم، فأحسّوا بأنهم ما يزالون مفيدين لمجتمهم؛ معطاءين وجديرين بالحياة؛ وليس عليهم الاستسلام لليأس انتظاراً لموتِ الجسد”.

ملتقى حنين الثقافي-كورال حنين
بعد الخروج من سوريا
تتابع السيدة رجاء: غادرت سوريا قسرياً مع بداية الثورة عام 2011 إلى تركيا؛ وفيها حاولت العمل ضمن مجموعات ذات رؤى سياسية ديمقراطية.. فلم أوفّق؛ فقررت تأسيس كورال “مُلتقى حنين الثقافي” في غازي عينتاب عام 2015″.
وتُضيف: “قدَّم الكورال الأغنيات التراثية الجميلة؛ ومنها أغنيات “اللالا” و “يا ظريف الطول” الشذيّة بأصوات نسائية رقيقة وعذبة، كما تألقت أغنية “ميلي ما مال الهوى” الشجيّة بأدائهنّ؛ مع أغنيات تراثية شتى باللغة العربيّة والكورديّة والتًركمانيّة والسريانيّة والآشوريّة والأرمنيّة.. مُقتبَسةٍ جميعُها من تراث ونسيج المجتمع السوري بكلّ أطيافه؛ ونركز في كورالنا النسائي أيضاً على الأغنيات التي تخصّ النساء كأغاني الأعراس وترنيمات المَهد للأطفال.. من مثلِ:
“يا طوِيري.. فِلّ وطير
وجبلوا لحبيبي.. سرير”.
من تركيا إلى ألمانيا:
تُتابع السيدة رجاء بنّوت حديثها:
“غادرت تركيا إلى برلين فأسست فيها “حنين برلين” الذي يضم 8 سيدات ثابتات، بينما مَرَّ على الكورال قرابة 100 سيدة شاركن على التوالي في حفلاتنا؛ وهذا العدد المتبدل وغير الثابت يخضع لظروف اللاجئات السوريات أنفسهنّ؛ ولترحالهنّ من مكان إلى آخر، حتى استقرّ عدد عضوات الكورال ما بين 15 إلى 20 سيدة من كلّ ألوان الطيف السوري”.
وعن نجاح تجربتها في “حنين عينتاب” و “حنين برلين” إضافة لأصداء ورشات العمل الخاصة بالتمكين والإندماج، وبخاصةٍ الترحيب من قِبل الشعب الألماني.. تتابع السيدة رجاء حديثها بالقول: “يدفعني كلّ هذا إلى تكرار التجربة في فرنسا وهولندا عمّا قريب؛ من حيث يُساعد الغناءُ السيداتِ السوريات على تخطي تشتت عائلاتهن؛ ويتم تعويضهن بالدعم النفسي والاجتماعي من خلال الصديقات في الملتقى، فينسجِمنَ ضمن مجتمعهن النسائي اللائي فقدنه في الوطن”.
وعند سؤالها عن شروط الانتساب للكورال.. أجابت السيدة رجاء:
“نُرحب بكلّ سيدةٍ سورية؛ وليست لدينا أيّة شروط، سوى الإلتزام بدورة تدريب الصوت وتهذيبه، ونعمل حالياً على إنشاء كورال خاص بالفتيات؛ لننقل الخبرة إليهن بصيغٍ مُعاصرة وعبر الحركة والموسيقا.. وبذلك نحفظ تراثنا الجميل من الإندثار”.
نشاطات “حنين برلين” صيف 2018:
النشاطات كثيرة جداً تقول السيدة رجاء.. وتضيف:
“قدّمنا في النشاط الصيفي أمسية غنائية في عينتاب؛ وأقام “حنين عينتاب” ورشتيّ عمل حول الدعم النفسي الجماعي؛ ثم أقمنا ورشة عملٍ مع شبكة المرأة في “راديو روزانا”؛ كما أنجزنا ورشة تدريب الصوت حاضر فيها مغني الأوبرا السوري شادي علي؛ أما “حنين برلين” فقدّمت ثلاث أمسيات فنية لجمهور من الألمان واللاجئين السوريين في مدينة “غوترس” على الحدود الألمانية البولونية، وأمسية في “المتحف الأوروبي” ببرلين؛ وأمسية مع منظمة “اللولو” لدعم لَمِّ شمل للأسر السورية في ألمانيا.
تختتم السيدة رجاء بَنُّوت.. حديثها:
ساعد الغناءُ السيدات السوريات على تخطّي تشتت عائلاتهن وتمّ تعويضهن بالدعم النفسي والاجتماعي من خلال الصديقات في الملتقى، فانسجمن ضمن مجتمعهن النسائي البديل.. تعويضاً عمّا فقدنه في الوطن؛ وعمّا كابدنه من معاناة وآلام؛ ليتَ الموسيقى تمسح بعضها عن كريستال أرواحهنّ.. سنرجع إلى سوريا الديمقراطية لنغني هناك.

الأيام السورية – 15 أيلول/ سبتمبر 2018